موقف شيخ الإسلام من اصطلاح التصوف والصوفية من حيث السنة والبدعة
لم يكن شيخ الإسلام ممن يؤثر عنه القول ببدعية لفظ الصوفية كما يجنح إلى ذلك كثير من متأخري أهل السنة، فقد قال شيخ الإسلام أن هذا اللفظ لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، ونُقِلَ التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد وأبي سليمان الداراني وغيرهما، كما رُوِيَ عن سفيان الثوري أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري وتنازعوا في "المعنى" الذي أضيف إليه الصوفي –فإنه من أسماء النسب كالقرشي، والمدني وأمثال ذلك، وهذه الدقة في قول شيخ الإسلام توضح قاعدة التفريق بين شهرة المصطلح وبين وجوده، فالوجود غير الشهرة.
وهنا يجب الإشارة أن القول ببدعية هذا الاصطلاح أقل ما يوصف به السطحية، لأن الاصطلاح لا يقف عند القرون الثلاثة المفضلة، فهذه القرون الثلاثة المفضلة المشهور لها بالخيرية لما كانت عليها من منهج وعقيدة، والمشاحة ليست في الاصطلاح، وإنما فيما تحمله من معانٍ، فالاصطلاح إنما يكون من باب التصنيف لا التعبد، وما نشأت اصطلاحات المسلمين إلا في أوقات متأخرة عن عهد النبوة، ولم يقل أحد ببدعيتها.
كما أنه يمكن إلزام من قال أن مطلق اللفظ بدعة إلزامه بتبديع السلف الذين تداولوا المصطلح بينهم، فليس بصواب تبديع كل لفظ لم يأت في هذه القرون المفضلة، فكلام شيخ الإسلام يشير إلى تداول اللفظ ووجوده عند الإمام أحمد والحسن البصري والفضيل والجنيد وغيرهم من أوائل الصوفية، فهم من أئمة السلف، ومن أهل القرون الثلاثة المفضلة، وإقرارهم لوجود الاصطلاح حجة على من أنكره، فلا يمكن تجزءة مذهب السلف بقبول بعضه دون بعض.
وقد ساهم شيخ الإسلام بوضع اصطلاحٍ كان في النفس منه شيء قبل الشروع في هذا البحث، ألا وهو صوفية أهل السنة والحديث، حيث ذكر هذا المصطلح ووصف به الصوفية المتقدمين كالفُضيل وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكَرْخي وأمثالهم قال عنهم: " صوفية أهل السنة والحديث"، وذلك لأنهم في اعتقادهم وعملهم يؤمنون بما أخبر به الرسول ويَمْتَثلون أمره، وهذا القول منه يؤكد أنه كأحد أعلام المنهج السلفي لا ينكر الاصطلاح في ذاته، إذ لا مشاحة في ذاته، وإنما فيما يحمله من معانٍ وآراء، فالحكم يدور معها.