تزبزب قبل أن يتحصرم
الحصرم حب العنب إذا صلب، فالعنب غير الناضج يسمى حصرم .. وإذا جفف صار زبيبا.
و في المثل ( تزبزب قبل أن يتحصرم ) إذا ادعى حالة أو صفة قبل أن يتهيأ لها.
فهذا المثل يضرب أو يقال لمن يريد أن يسبق أوانه !
فبقليل من العلم البسيط يدعي أنه سبق العلماء الفطاحل، ومعناه أن العنب يصير حصرماً في بداية ظهوره، وبعدها يغدو ناضجاً صالحاً للأكل، ومن ثم يذبل ويصير زبيباً كامل الغذاء، ولابد للعنب أن يمر بهذه المراحل الثلاث حتى يصبح زبيباً شهياً مكتمل العناصر الغذائية.
لكن بعض الناس يريد أن يصبح زبيباً مباشرة، دون المرور بكل مراحل التطور المعهودة، والتي تجعل منه مصقول الخبرة والمعارف، عظيم العلم والتجارب، ويجري عادة في عروق المتحمسين المبتدئين مثل هذا الشعور، فمع قليل من العلم، ولذة الشعور به، تتفجر العواطف الداخلية حماساً لنقل هذا العلم إلى الناس الآخرين، ويتقبل الناس هذا الحماس بعبارات ضخمة من المديح والتشجيع، ثم ما تلبث أن تتسرب مشاعر الغرور والعجب إلى نفس المتعلم، فيظن في نفسه أنه بلغ القمة أو أوشك عليها، وتساعده على ذلك الأكيال المكيلة من المدح والثناء التي تلقى عليه من كل جانب.
إن القفز فوق حواجز العلم والتمكن منه أمر غير محمود، حيث يوحي لصاحبه اكتمال العلم والنضج وهماً لاحقيقة، والانتظار حتى بلوغ مرحلة النضج والمعرفة أمر حتمي لابد منه، مهما بلغ الإنسان من العبقرية في جمع العلوم والمعارف في أي فن من الفنون، فإلى جانب المعرفة يأتي جانب الخبرة والممارسة، ومعايشة الواقع وفهم الظروف المحيطة، كل ذلك لا يستطيع الإنسان اكتسابه إلا من خلال التجارب والدروس المستفادة من الحياة، التي تجعل العلم أمراً قابلاً للتطبيق وأقرب لحل مشاكل الناس والإجابة عن استفساراتهم، ولا يختلف اثنان على أن ما يصلح في زمان قد لا يصلح لزمان آخر، وما هو أولوية في وقت ما، قد لا يكون أولوية في وقت آخر، وما هو مناسب في مكان ما، قد لا يكون مناسباً لمكان آخر.