إمارة المؤمنين دعامة للأمن الروحي
تُشَكِّلُ البيعة بدلالتها الشرعية في سياقها التاريخي المغربي، خاصية من أهم الخصائص المكونة للهوية الوطنية المغربية. ومن ثَمَّ فإنه لا نجاح لأي خطاب ديني إلا بالدخول تحت ظلالها . فإمارة المؤمنين بدلالتها الدينية - كما تحققت تاريخيا بالمغرب - قامت على بيعة أدمجت حق الله وحق الرَّحِم! تماما كما في قوله تعالى:
(واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء: 1 )
فمذ تزوج المولى إدريس الأكبر كنزة الأمازيغية، في سياق بناء المجتمع المغربي، تحت بيعته الدينية بما هي حق الله؛ كان حقُّ الرَّحِم قد اندمج في هذا المعنى؛ مما شكل مفهوم "الأسرة الوطنية"! وهذا من أهم اللطائف في خصوصيات المكوِّن الديني للمجتمع المغربي. واستمر المغرب في تطوره التاريخي على وفاقٍ مع المرجعية الدينية للسلطة السياسية في البلاد، تحت صيغة إمارة المؤمنين، بدلالتها الشمولية المذكورة، عقيدةً ورَحِماً؛ إلى عهد الدولة العلوية، وهذا المعنى العظيم لا يزداد إلا قوة ورسوخا ، ولا تزداد آثاره إلا شمولا ووضوحا.
ففي ظروف اهتزاز كثير من الثوابت السياسية في العالم المعاصر سواء قبل انهيار الكتلة الشيوعية أو بعده، وما تلا ذلك من أحداث لا تزال تجلياتها إلى الآن، وما كان لها من آثار مختلفة على كثير من البلاد العربية والإسلامية بقي المغرب بحمد الله في أمن وأمان؛ لِمَا تحقق له من أمن روحي؛ بسبب هذه الطبيعة السياسية المندمجة في الفضاء الديني السمح، القائم على عقد البيعة. وما كان عقد البيعة في حقيقته إلا رابطا قلبيا على المستوى الوجداني، إذ الشعور الديني كما بيناه قائم على التعبد، وهذا إنما هو تواصلٌ روحي بين العبد وربه، وهو أهم ضمان وأقواه لاستقرار المغرب. حيث يمارس المؤمن عبادته بحفظ حق الله على المستوى السياسي المتمثل في حفظ عهد البيعة، والدفاع عنه بالغالي والنفيس . وتلك هي المرجعية التي أذكت روح المقاومة في الشعب المغربي، وأخرجته من تجربة الاستعمار أقوى ما يكون .
فبوجود إمارة المؤمنين يشعر المواطن المغربي بأمنه الروحي؛ بسبب ما يجد من ضمانٍ لممارسة حقوقه الدينية، والتعبير عن مواجيده الإيمانية. فهذه المساجد المغربية، بعمارتها الأصيلة الراسخة، تعلن - وهي ترفع الأذان خمس مرات في اليوم للناس، كل الناس، الأمنَ والأمان، وتنشر السلم والسلام. وبذلك تنزل السكينة على القلوب؛ لأنها تشعر أن عقيدتها في حمى أمير المؤمنين.
وعليه ، فإن الواعظ و الخطيب يجب ألا تغيب عنه ما هذه الحقيقة الراسخة، وهما يؤديان مهمتهما كواجب ديني ووطني في الآن نفسه . بل يجب أن تكون هي المؤطر الأساس إلى جانب الخصائص الأخرى لخطابهما الديني.
إن الوفاء لعقد البيعة من حيث هي حق من حقوق الله يجب أن يكون نصب عين الإمام، أو الخطيب؛ لأنه ما إنما ينوب ان في مهمته ما تلك عن الإمامة العظمى، ومن ثم يتوجب على الإمام والخطيب العمل على تأليف القلوب حولها والتذكير بواجب السمع والطاعة للإمام الأعظم وذلك ما تنطق به الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة .
ومن هنا وجب أن تكون توجيهات أمير المؤمنين، في الشأن الديني والوطني مرجعا دائما للواعظ أو الخطيب؛ تحقيقاً للتواصل بين الإمام الأعظم وأمته. وإنما يتنـزل ذلك بصورة مطبقة بالتواصل مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومع المجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه أمير المؤمنين، ثم مع المجالس العلمية المحلية عبر الصعيد الوطني.
إن ذلك من شأنه أن يسدد الخطاب الديني العامل في حقل الإصلاح والتربية والتوجيه والإرشاد، ويجنبه مواطن الزلل والخلل، ويحفظه من الاصطدام بالحقائق الإيمانية، والثوابت الوطنية.