الحمد لله الذي رفع من أراد به خيرا بالعلم والإيمان ، وخذل المعرضين عن الهدى وعرضهم لكل هلاك وهوان . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الكريم المنان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كمل الله له الفضائل والحسن والإحسان ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم مدى الزمان .
أما بعد: أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن التقوى لا تتم لكم إلا بمعرفة ما يتقى من الكفر والفسوق والعصيان ، ولا تستقيم لكم إلا بقيامكم بأصول الإيمان وشرائع الإسلام وحقائق الإحسان . فطلب العلم إذن من أفرض الفرائض وأوجب الواجبات ، فإن عليه المدار في قيام الطاعات وترك المخالفات . فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، ومن لم يرد به خيرا أعرض عن طلب العلم وسماعه ، فكان من الهالكين الجاهلين . فما بالكم معرضين عن العلم ، وهو من الفروض الواجبة ؟! وما لكم مقبلين على ما يضركم تاركين ما ينفعكم ، راضين بالصفقة الخاسرة ؟! قال صلى الله عليه وسلم : « إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا: وما رياض الجنة ؟ قال: حلق الذكر » فهذه الرياض البهيجة فيها من العلوم من كل زوج كريم ، فيها يعرف الله ويهتدي إلى الصراط المستقيم ، وفيها يعرف الحلال من الحرام والصلاح من الفساد ، وفيها يعرف سبيل الغي والضلال ، وسبيل الهدى والرشاد ، فكيف تعتاضون عنها بمجالس اللهو وتضييع الأوقات ، أو مجالس الشر والفساد . أما إن طلب العلم قربة وثواب عند رب العالمين ، والإعراض عنه شر وخسران مبين . فيا أيها المعرضون عن طلب العلم ما هو عذركم عند الله ، وأنتم في العافية تتمتعون؟ وماذا يمنعكم منه وأنتم في أرزاق ربكم ترتعون . أترضون لأنفسكم أن تكونوا كالبهائم السائمة ؟ أتختارون الهوى على الهدى والقلوب منكم ساهية هائمة؟ أتسلكون طرق الجهل وهي الطرق الواهية ، وتدعون سبل الهدى وهي السبل الواضحة النافعة ؟ أترضى إذا قيل لك: من ربك وما دينك ومن نبيك لم تحر الجواب وإذا قيل: كيف تصلي وتتعبد أجبت بغير الصواب؟ وكيف تبيع وتشتري وتعامل وأنت لم تعرف الحلال من الحرام ؟ أما والله إنها حالة لا يرضاها إلا أشباه الأنعام . فكونوا- رحمكم الله- متعلمين ، فإن لم تفعلوا فاحضروا مجالس العلم مستمعين ومستفيدين ، واسألوا أهل العلم مسترشدين متبصرين ، فإن لم تفعلوا وأعرضتم عن العلم بالكلية فقد هلكتم ، وكنتم من الخاسرين ، أما علمتم أن الاشتغال بالعلم من أجل العبادات وأفضل الطاعات والقربات ، وموجب لرضى رب الأرض والسماوات ، ومجلس علم تجلسه خير لك من الدنيا وما فيها ، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها ؟ فاتقوا الله عباد الله ، واشتغلوا بما خلقتم له من معرفة الله وعبادته ، وسلوا ربكم أن يمدكم بتوفيقه ولطفه وإعانته. { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .