الحمد لله وحده
شهادة حية في حق العالم الفاضل المنتقل إلى جوار ربه الأستاذ:مولاي الحسين ألحيان أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة المزار آيت ملول،أدلى بها أحمد اليربوعي في الحفل التأبيني المقام من طرف كلية الشريعة: بتاريخ16 ربيع الأول 1431 ه ق 3 مارس 2010م
إعترافا بجميله وتنويها بمكانته العلمية،وترحما على روحه رحمه الله تعالى،ورزق لذويه والأسرة العلمية؛الصبر والسلوان و [ إنا لله وإنا إليه رجعون]
الحمد لله الأزلي الأبدي،الحي القيوم،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الرسول الأعظم،والذي مع مكانته السامية فقد خوطب بقول أحكم الحاكمين [ إنك ميت وإنهم ميتون ] وعلى صحابته القائمين بأعباء الدعوة إلى الله حق القيام حتى أتاهم بدورهم اليقين،وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
سادتي العلماءَ الأفاضلَ الأجلاءَ،أعزائي الطلبة النجباءَ،معشر الإخوة الفضلاء ،
لهذه الكلية العتيدة جزيلُ الشكر على إتاحتنا هذه الفرصة التأبينية للتعبير بأقل القليل عما عرفناه عن الفقيد الغالي سيدي مولاي الحسين ألحيان أحد أقطاب الأسرة العلمية المعروف بنشاطاته العلمية المتعددة في شتى المؤسسات والهيئات العلمية العليا؛وباسم الرابطة المحمدية للعلماء وباسمنا الخاص؛أقدم هذه الشهادة في حقه .
نعم أيها السادة: بالصبر الجميل والاسترجاع أمرنا الله تعالى أن نتلقى صدمات القدر الذي لامفر منه ولا مهرب لتمر اللحظات العصيبة تدريجيا وينمحي الأثر؛ إلا المصاب الممثل في موت العلماء فثُلمة في الإسلام كما ورد في الأثر لما يتطلبه تكوين الإنسان العالم العامل المهذب النفاع من توفيق وهداية وموهبة وصبر وتضحية ونية صادقة وطول النفس وهمة عالية قل أن تتحقق هذه المواصفات لأي إنسان مستد لين عن هذا كله بما ورد عن أبي الدرداء في ءاخر حديث طويل حيث يقول "ص"[وموت العالم مصيبة لا تجر وثلمة لا تسد وهو نجم طمس،موت قبيلة أيسر من موت عالم] أورده المنذري وقال رجاله ثقات.
أيها السادة :
بما أن الفقيد رحمه الله؛له إتصال وثيق بالرابطة المحمدية للعلماء بعروضه القيمة التي يشارك بها في ندواتها الوطنية والدولية ولما بيننا وبينه شخصيا من إرتباطات ووشائج متعددة؛كل هذا يحملني أمانة الوفاء لهذه الشخصية الفذة،لأدلي بهذه الشهادة الحية،والتي ألمح فيها إلى الجانب العلمي والعملي،وموضحا الجانب الإنساني والخلقي.
فعن الجانب العلمي والعملي للفقيد إستعصى القلم وتلبد الفكر،ولسان حالي يقول:إذا لم تستطع شيئا فدعه،وجاوزه إلى ما تستطيع،كيف لي أن أتطرق إلى هذا الجانب وأنا وسط هذه المعلمة العلمية بعميدها الفذ وأطرها العلمية التي لا يخامر الشك كل من عرفهم عن كثب إلا أن يقول :[ الله أعلم حيث يجعل رسالاته] ومع طلبتها الذين تحسروا على أيامهم الذهبية مع الفقيد مع ثقتهم الكاملة في الله تعالى وكليتهم المتعودة على تخطي العوائق وتذليل الصعاب،وإذ أتطرق إلى هذا الجانب والحالة هذه "فكمن يحمل التمر إلى هجر كما يقول المثل،فعضويته للمجلس الأعلى للتعليم وترؤسه للمجلس العلمي المحلي لعمالة إنزكان آيت ملول ونشاطاته العلمية في الداخل والخارج،وبروزه وتميزه على المسرح الأكاديمي؛فما علي في هذا المقام إلا أن أتمثل بقول من قال :
فليس يصح في الاذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
أما الجانب الإنساني والخلقي للفقيد رحمه الله،فلدي في ذالك الجانب ما أوضحه مما يعطي للفقيد رحمه الله،صورة مثالية لعالم متحل بتواضع العلماء وخلق الأتقياء،أكتفي للمحافظة على الوقت بمثالين؛ الأول : حينما كان يعمل كأستاذ في إحدى الجامعات السعودية ربما جامعة أم القرى على ما أذكر فمن عادته أنه يزور معارفه في موسم الحج ولما بيننا من علاقات قليلا ما يفارقنا طيلة الرحلة حينما نكون في مكة وإن لم يسمح له وقته بالنهار ياتي ليلا يصطحب معه الغداء والعشاء ويسخر سيارته ووقته ليرافقنا لزيارة مآثر مكة ليلا في الغالب،وذات يوم رافقنا أحد المعارف ولكنه سامحه الله من النقلاء مضى معه بآلة التصوير ومع علمه بضيق وقت الفقيد،يذهب هنا وهناك لإتمام غرضه في التصوير ونحن نتأفف والفقيد رغم حرجه وضيق وقته يعلق ويقول : نتركه لكي يتم رغبته إنما حمله على ذالك محبة هذه المقدسات وحينما رجع وصانا على عدم إزعاجه وعزمنا على الرجوع إلى مكة في ءاخر أيام منى ومعنا حاج أصابه بعض الإرهاق وعزمنا عليه أن يرجع في الحافلة لننوب عنه في الرمي وتوسل إلينا أن يصاحبنا ليرمي بنفسه فتملص الرفقاء من مرافقته وقال لي الفقيد مخاطبا : إني مستعد أن أصاحبه وهل فيك من يساعدني؟فأسعفته فلما اقتربنا من الحمرات وكثر الازدحام تشمر وتمنطق في ثيابه وانحنى لأن يتعلق به الحاج المرهق فقال لي مهمتك أن تحميه من الخلف فانحنى هكذا والمريض على ظهره حتى رمينا الجمار الثلاث بعد جهد جهيد بذل فيه الفقيد رحمه الله جهدا لا يستطيعه إلا مثله،فلما انتهت المهمة كلفني بأن أصاحبه رويدا رويدا إلى مكة ليرجع إلى مقره وقال في مثل هذه المواقف تستغل الفرص،
الثاني : فكما تعلمون فإن الفقيد رحمه الله منذ تجديد الرابطة المحمدية للعلماء وللصداقة الحميمة بينه وبين أمينها العام،ولكونه كما هو معلوم من منشطي الندوات العلمية كنا نصطحب إلى حيث تعقد الندوات وهو الذي يُلزمنا أنا والشيخ الجليل أستاذنا سيدي الحاج عبد الله آيت أغوري بأن يتولى هو بنفسه ضروريات واحتياجات السفر وهو الذي يتولى بنفسه حمل الأشياء الثقيلة رغما عنا.
وهو في نطاق عملنا معه كمحاضر وكرئيس المجلس العلمي وكمتخصص في علم الأصول وكخبير في المناهج الحديثة،فإنه لا يبخل علينا أبدا بكل ما يعتقد فيه تقديمَ مساعدة حتى إنه عندما نحتاج إلى توجيهاته عند الضرورة،هو الذي يأتي بنفسه ويقول عند اعتذارنا له لا بأس نحن معتادون على الحركة .
أيها السادة :
إذا كان الإنسان يوزن بعمله فلا شك في أن جميع من عرف الفقيد حق المعرفة لا يسعه إلا أن يقر ويشهد بأن الفقيد الغالي الذي أقامت كلية الشريعة مشكورة تكريما لروحه هذا المحفل المهيب من العيار الثقيل،ويذكرني حاله بقول أمير الشعراء في رثاء أحد أساتذة كلية الحقوق بمصر :
علم الشريعة أدركته شريعة
للموت ينظم حكمُها الأحياءَ
ومضى وفيه من الشباب بقية
للنفع أرجى ما تكون بقاءَ
وخير ما نختم به هذه الكلمة الوجيزة الآية ُ الكريمة 144 من سورة ءال عمران التي أيقظ بها خليفة رسول الله "ص"أبو بكر الصديق الصحابة من ذهول الفاجعة بموت أفضل مخلوق عليه الصلاة والسلام [[[ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عفبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشكرين]]] .
فلنكثر من دُعاء الترحم وطلب المغفرة للفقيد الغالي سيدي مولاي الحسين ألحيان تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته وجعل أعماله مبرورة ومساعيه مشكورة وبارك الله في ذريته وأهل بيته ورحم أمواتنا وسائر أموات المسلمين وشكر الله هذا المسعى الحميد لكلية الشريعة الغراء لما أثنت به من عظيم الوفاء لبناة أمجادها ولطلبتها ولهذه الجهة من المملكة التي أعلت بين صروح العلم صرحها.
متع الله الجميع بالشكر لله عند النعماء وبالصبر الجميل عند الابتلاء فليواصل الجميع السير الحثيث على منهج سلفنا الصالح لنكون خير خلف لخير سلف،اللهم اغفر لمولاي الحسين ألحيان وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في العابرين،واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه وتوفنا بعده مسلمين وألحقنا بالصالحين والحمد لله رب العالمين .
والسلام على الجمع المبارك الكريم
بقلم
ذ : الحاج أحمد اليربوعي شيخ مدرسة المسجد الكبير
وعضو الرابطة المحمدية للعلماء