منتدى مدرسة المسجد الكبير العلمية العتيقة بتراست
تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة / انت غير مسجل في هذا المنتدى يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  829894
ادارة منتديات مسجد الكبير لتراست تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  103798
منتدى مدرسة المسجد الكبير العلمية العتيقة بتراست
تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة / انت غير مسجل في هذا المنتدى يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  829894
ادارة منتديات مسجد الكبير لتراست تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  103798
منتدى مدرسة المسجد الكبير العلمية العتيقة بتراست
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مدرسة المسجد الكبير العلمية العتيقة بتراست

التواصل مع المدرسة : madrasttarrasst@gmail.com
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 583
نقاط : 11683
تاريخ التسجيل : 24/04/2010
العمر : 45

تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  Empty
مُساهمةموضوع: تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي    تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي  I_icon_minitimeالخميس 4 أكتوبر - 5:58

تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي :
يعتبر الفكر الإسلامي الَّذي تعدَّدت استِعْمالاته لدى كثيرٍ من الباحثين العرب والمسلمين، وحتَّى المستشرقين - مفهومًا هلاميًّا لا يكاد يرْسو على تعْريف ناجز بيِّن المعالم؛ لذا فإنَّ مساءلة هذا المفهوم ومُحاولة الوقوف على حدِّه وموضوعه يستدْعي منَّا أوَّلاً الرّجوع إلى الاشتِقاقات اللغوية لمادَّة "فكر"، ثمَّ " الفكر الإسلامي " كمصطلح مركَّب؛ تبيينًا لمعانيه القريبة منْه والبعيدة.
وبالرَّغم من حداثة مفهوم "الفكر الإسلامي" في التُّراث الفِكْري الإسْلامي والعربي على السَّواء، إلاَّ أنَّنا نجِد مصطلح "فكر" متقدِّمًا بكثيرٍ في الاستِعمال اللغوي العربي، حيثُ جاءتْ مادَّة "فكر" في "لسان العرب" بمعنى إعْمال الخاطر في الشَّيء، وفي "المعجم الوسيط: " الفِكرُ مقلوبٌ عن الفرك، لكن يستعمل الفِكرُ في الأمور المعنويَّة، وهو فركُ الأمور وبحثُها للوصول إلى حقيقتها.
وجاء عند ابن فارس: "فكَرَ؛ الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء، يقال: تفكَّر، إذا رَدَّدَ قلبه معتبرًا، ورجل فِكِّيرٌ: كثير الفكر".
وقد وردت مادة (فكر) في القرآن الكريم في نحو عشْرين موضعًا، ولكنَّها بصيغة الفعل، ولم ترد بصيغة الاسم أو المصدر.
أمَّا من الناحية الاصطِلاحيَّة، فورد عند ابن منظور: "إعمال الخاطر في الشيء"، فقد ورد عند الرَّاغب الأصفهاني بأنَّه: "قوَّة مطرقة للعلم إلى معلوم، وجوَلان تلك القوَّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يمكن أن يُقال إلاَّ فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلْب".
أمَّا عند المتأخرين، ففي "المعجم الوسيط" "فكر" بمعنى: إعمال العقل في الشَّيء، وترتيب ما يعلم ليصل به إلى مجهول"، أو: "إعمال العقل في المعْلوم للوصول إلى معرفة مجهول"، كما عرَّفه طه جابر العلواني بأنَّه: "اسم لعمليَّة تردّد القُوى العاقلة المفكّرة في الإنسان، سواء أكان قلبًا أو روحًا أو ذهنًا، بالنَّظر والتدبُّر لطلب المعاني المجْهولة من الأمور المعلومة، أو الوصول إلى الأحْكام، أو النسب بين الأشياء".
- 2مفهوم الفكر الإسلامي:-
وكما تعدَّدت تعريفات الفكر لغةً واصطِلاحًا، فإنَّ الفِكْر الإسلامي هو الآخر عرف تعريفات عدَّة، نذكر من بينها:
الفكر الإسلامي يعني: "كلّ ما أنتجه فِكْر المسلمين منذ مبعث الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى اليوم في المعارف الكونيَّة المتصلة بالله - سبحانه وتعالى - والعالم والإنسان، والَّذي يعبّر عن اجتهادات العقْل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامَّة في إطار المبادئ الإسلاميَّة، عقيدة وشريعة وسلوكًا". الفكر الإسلامي يعني: "كلّ ما ألَّفه علماء المسلمين في شتَّى العلوم الشَّرعيَّة وغير الشَّرعيَّة، بغضِّ النَّظر عن الحكم على مدى ارتِباط هذا النِّتاج الفكْري بأصل العقيدة الإسلاميَّة".
الفكر الإسلامي يعني: "نتاج الفكْر الَّذي تصدَّى للفلْسفات والنَّظريَّات الغربيَّة، ناقدًا لها وواضعًا البديل الإسلامي محلَّها".
الفكر الإسلامي يعني: "كلّ نتاج للعقْل البشري الموافق لمنهج الإسلام".
الفكر الإسلامي يعني: "كلّ ما هو غير تجريبي من مقوّمات الحضارة الإسلاميَّة".
الفكر الإسلامي يعني: "الحكم على الواقع من وجهة نظر الإسلام".
الفكر الإسلامي يعني: "المنهج الَّذي يفكِّر به المسلمون أو الَّذي ينبغي أن يفكِّروا به".
بالنَّظر لهذه التَّعريفات وما سبقها من تعريفات للفكْر مجرَّدًا عن الوصف أو الإضافة، يلْحظ الآتي:
- 1أنَّ الفكر إمَّا أن يراد به الكيفيَّة التي يدرك بها الإنسان حقائق الأمور التي أعمل فيها عقله، فيكون الفكر عندئذٍ بمثابة الأداة أو الآليَّة في عمليَّة التَّفكير.
وإمَّا أن يراد به ما نتج عن ذلك من تصوُّرات وأحكام ورؤًى حول القضايا المطروحة، ثمَّ تتَّسع دائرة مفهوم الفِكْر أو تضيق تبعًا لمنطلقات المحدّد لمفهوم الفكر، فاتَّسع مفهوم الفكْر اشتمل على الموْروث الفكْري للإنسان في جَميع ميادين المعْرِفة والعلوم على الصَّعيد النَّظري، على أنَّ هناك مَن يدخل العلوم التَّجريبيَّة والتَّطبيقيَّة ، فيشتمل على النَّشاط الإنساني ليشْتمل على مفهوم الثَّقافة بل الحضارة أيضًا.
وقد تضيق دائرة مفهوم الفكر حتَّى تنحصِر في مجرَّد النَّظر العقلي في أمرٍ ما، فيكون الفكْر عندئذٍ منسوبًا إلى مبدأ، أو مذهب، أو طائفة، أو أمَّة، أو عصر، أودين.
- 2عندما يضاف الفكر إلى الإسلام أو يوصف الفكر بأنَّه إسلامي، فإمَّا أن يراد به كيفية عمل العقل وما يلحق به من القوى المدْركة لدى الإنسان في ضوء الإسلام؛ ولذلك عرَّفه بعضهم بأنَّه: "المنهج الَّذي يفكِّر به المسلمون أو الَّذي ينبغي أن يفكِّروا به"[16].
أنَّ هذا المعنى الكيْفي للفكر المتمثّل في حركة الذّهن للانتقال من المعلوم إلى المجهول،هو ما استخدمه الأقدمون مثل: ابن سينا والرازي وابن خلدون، ولخَّصها الجرجاني في تعريفاته بقوله: "الفكر ترْتيب أمور معلومة لتؤدِّي إلى مجهول".
- 3وإمَّا أن يراد بالفكْر الإسلامي ما أنْتجه الفكْر في ضوْء الإسلام ، فبعضهم يُطلق مسمَّى الفكر الإسلامي ويُريد به كلَّ ما أنتجه فكْر علماء الأمَّة وباحثيها في ضوْء مبادئ الإسلام وأحْكامه وضوابطِه، ولا يدَّعي العصمة لهذا الفكر، ولا يدخل فيه الوحي الكتاب والسنة؛ وإنَّما يدخل فيه ما خرج عنهما أو انبثق منهما.وبالجملة، فهو يفرِّق بين الإسلام وبين الفكر الإسلامي
- 4ينفرد بعض التَّعريفات بالنَّظر إلى نتاج العقل نظرة موضوعيَّة بغضّ النَّظر عن المفكّر، فما وافق الإسلام من تراث الفكر الإسلامي أو أنتجه فكر المسلمين في ضوء الإسلام، فإنَّه يسمَّى فكرًا إسلاميًّا.
وبعد، فإنَّه يمكن أن يعرف الفكر الإسلامي في ضوء الخصائص الآتية:
الجمع بين عمل الفِكْر كأداة (منهج)، وبين ما ينتجه الفكر من ثمرة للتَّفكير.
أن ينصبَّ الفكر الإسلامي على النَّاحية التنظيريَّة التَّصوُّريَّة دون العمليَّة السلوكيَّة.
أن يعرف الفكر الإسلامي بأنَّه فكرٌ موجَّه، أو بعبارة أنسب ملتزم بتعاليم الإسلام، فلا يتوافر الفِكْر في ظلِّ الإسلام على الخوضِ فيما نهى عنْه الشَّارع، ولا يتحرَّر من الضَّوابط الشَّرعيَّة والأخلاقيَّة، ولا يدخل فيما ثبت عن الله وعن رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإنَّما يدافع عن ذلك، ويظهر حكمة الشَّارع فيه، ويلتمس العلل والمقاصد والبراهين والمسوغات لذلك في الحدود المشْروعة بمنهج نقدي مؤصَّل، ينفي ما علق بالفِكْر الإسلامي من مغالاة المغالين وتفريط المفرِّطين.
مصادر الفكر الإسلامي:
أوَّلاً: الوحي:
بناءً على ما جاء في مفْهوم الفكْر الإسلامي فإنَّه ينطلق من الإسلام كمرْجع موجَّه، يحكم بكلّيَّات الفكر وجزئيَّاته؛ لذلك فإنَّ الوحي بشقَّيه (الكتاب والسنَّة) يعتبر المصدرَ الرَّئيس للفكر الإسلامي؛ حيثُ يحدّد الرّؤية الكلّيَّة النّهائيَّة للإنسان المسلم، وما يتفرَّع عنها من أبعادٍ ترْبويَّة واجتِماعيَّة وسياسيَّة واقتِصاديَّة وغيرها، وقد أجاب الفِكْر الإسلامي في مختلف عصوره عن إشكالات عدَّة في المجالات المذْكورة، تمثَّلت في جملة العلوم التي ما فتِئَت تتبلْور وتتأصَّل بداية من القرْن الثَّاني للهجرة، كالفقه وعلوم الحديث وعلْم الكلام وغيرها من العلوم.
ثانيًا: الكون:
غير أنَّ الفكر الإسلامي لا يشمل الإنتاج الَّذي يتناول الإسلام كموْضوع للمعرفة فقط، بل هو كل إنتاج ينطلق من الإسلام كمرجعيَّة تحدّد له رؤيته الكلّيَّة للكون والإنسان والحياة؛ لذلك فالكون هو المصدر الثَّاني للفكر الإسلامي، وقد جاء القرآن الكريم يتحدَّث عن الكون في الكثير من آياتِه.
والكون في الرّؤية الكونيَّة التَّوحيدية يشمل الكون الطبيعي (سنن الآفاق)، وذلك بمعرفة القوانين الكونية الطبيعيَّة في السموات والأرض والحيوان والنبات والإنسان لاستخراج آيات الله فيه، ومعرفة سننها التي تسيِّرها وتسخيرها في إعمار الأرض لتحْقيق خلافة الإنسان.
والكون الإنساني سنن الأنفس، وذلك بدراسة قوانين المجتمعات الإنسانيَّة، وسنن قيام الحضارات وأفولِها، وتدخل فيها الخبرة الإنسانيَّة وما أنتجتْه في التَّاريخ والاجتِماعيَّات والإنسانيَّات بما يتوافق فيها مع الرُّؤية التَّوحيديَّة.
غير أنَّه ينبغي أن نُشير هنا إلى ضرورة التَّفريق بين ما يعتبر مصدرًا في الفِكْر الإسلامي، وما يعتبر رافدًا، فالكون الإنساني يعتبر مصدرًا للفكْر الإسلامي لمعرفة سنن الأنفس الاجتِماعيَّة والنَّفسيَّة، أمَّا الخبرات الإنسانيَّة وما أنتجتْه من فكرٍ، بغضِّ النَّظر عن اختِلاف مِلَله ومذاهبه، فيعتبر رافدًا من روافد الفِكْر الإسلامي، يُؤخذ منه ويردّ بِما يخدم أهدافه، ويتوافَق مع الرُّؤية التَّوحيديَّة.
وإذا أمعنَّا النَّظر في الفكْر الإسلامي برمَّته بما فيه من علوم إسلاميَّة وآراء فكريَّة وغيرها، فإنَّما نشأت من هذين المصدَرين: الوحي والكوْن.
وسائل المعرفة في الفكر الإسلامي:
إذا نظرْنا في الفكر الإسلامي فسنجد أنَّ المعرفة تنفتح على مجالَين واسعَين، هما عالم الغيب وعالم الشهادة، عكس الفكْر الغربي الَّذي يقتصر على الجانب المادّي من عالم الشهادة، وبالنَّظر إلى هذَين المجالين المتداخِلين يتوسَّل الفكر الإسلامي إلى المعرفة بثلاث وسائل تتساوى في الأهمّيَّة، وهي: العقل والقلْب والحواسّ.
العقل: اختلف العُلماء والمفكِّرون في تعْريف العقل؛ فمنهم مَن أنكر وجود شيء مستقلّ بهذا الاسم، وجعله هو والعِلم اسمين لمسمّى واحد، ومنهم مَن جعله رديفَ القلب، غير أنَّنا إذا عُدنا إلى القرآن الكريم فلن نجد كلِمة "عقل" كمصدْر، وإنَّما جاءتْ في صيَغ فعليَّة متعدِّدة، مثل: "تعقلون"، و "يعقلون"، و "عقلوه"، و "يعقلها"، و "نعقل"، وهو ما يدلُّ على أنَّ العقل ليس مصدرًا قائمًا بذاتِه، وإنَّما هو عمليَّة تعقُّل يقوم بها الإنسان؛ ليربط بين الدَّالّ والمدْلول، والأسباب والمسببات، والمقدمات والنتائج، وغيرها من العمليات الوظيفية في الأشياء المجرَّدة منها والمحسوسة للوصول إلى فكرٍ يسير به في حياته، ويسيّر به شؤونه.
فالعقل وسيلة أو آليَّة في إنتاج الفكْر عمومًا، وفي الفكر الإسلامي العقْل وسيلة للتدبُّر في الوحي لاستِخْلاص مقاصده وعلومه، والتَّأمّل في الكون لمعرفة قوانينه ونواميسه، فعمل العقل وفق هذا المنظور يكون في مجْمله في الأمور المجرَّدة.
القلب: لا يقصد بالقلب هنا ذلك العضو الحيّ الذي يقع في الجانب الأيسر من القفص الصَّدري، والَّذي يقوم بضخّ الدَّم في جسم الإنسان، وإنَّما هو تلك اللَّطيفة الربَّانيَّة - حسب تعبير الغزالي أبي حامد - التي يشْعر بها الإنسان، وهو محلّ التصديق والإيمان، وعلى اعتبار أنَّ الفكر الإسلامي ينفتح على عالم الغيب، بل إنَّ اعتبار الوحي والكون كمصدرين له ينبني على التَّصديق بالغيب والإيمان به، وهو توحيد الله باعتباره منزل الوحي وخالق الكون، وذلك لا يكون إلاَّ بالقلب محلّ التَّصديق والإيمان؛ لذا نجد المولى - عزَّ وجلَّ - يُسْبِق لفظ الغيب بالإيمان ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]؛ فالقلب - إذًا - هو وسيلة من وسائل الإدراك والمعرفة في الفكر الإسلامي، وهو من الأهمّيَّة بمكان حيثُ لا يمكن استبداله بالعقْل ولا بغيره، فعمل القلْب وفقًا لهذا يكون في الأمور الوجدانيَّة.
الحواس: وهي جمع حاسة، وهي الوسائل التي ندرك بها الأمور المادّيَّة.وقد بيَّن الموْلى - عزَّ وجلَّ - هذه الوسائل في كتابه قائلاً: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ [الإسراء: 36]، فالسَّمع والبصر (الحواسّ)، والفؤاد (القلب والعقل)، هي وسائل العلم والمعرفة.
خصائص الفكر الإسلامي:
يعتبر الفكر الإسلامي فكرًا إنسانيًّا يتَّسم بما يتَّسم به الفكر الإنساني من سمات وخصائص، إلاَّ أنَّ هذا يستند إلى مصادِر ربَّانيَّة، في حين أنَّ غيره يفتقر إلى هذه المصدريَّة، فما الَّذي يميِّز الفكر الإسلامي بربَّانيَّة مصدريْة ولا يُفْقِده صفة الإنسانيَّة:
النّسبيَّة الإسلاميَّة: فالنِّسبيَّة في الفكر الإسلامي تتَّصف هي الأخرى بالإسلاميَّة؛ لأنَّها ليستْ نسبيَّة مائعة سائلة تقوم على عقْل الإنسان وحْده، بل ترتكِز على المطلق، فهي تتَّخذ من الله تعالى المبدأ والغاية، وفي هذا المعنى يقول عبد الوهاب المسيري: "ويُمكننا الحديث عن النسبيَّة الإسلاميَّة باعتبارها نسبيَّة تنصرِف إلى خطاب الخالِق، فنحن نؤمِن بأنَّ ثمَّة مطلقات نهائيَّة لا يمكن الجدال بشأْنِها، نؤمن بها بكلّ ما تحوي من عقْل وغيْب، منها ننطلق وإليْها نعود، أمَّا ما عدا ذلك فخاضعٌ للاجتِهاد والحوار"، فالنّسبيَّة الإسلاميَّة تقوم على تداخُل المطلق النّهائي المتمثِّل في مصدرَي الفِكْر الإسلامي، واجتهاد الإنسان في فهم هذين المصدرَين والتَّعامل معهما.
وقد كان وعْي المسلمين منذ نشأة الفكْر الإسلامي كبيرًا بنسبيَّة المعرفة الإنسانيَّة، حتَّى وهي تتناول الوَحْي المطْلق كموضوعٍ للمعْرفة تسْتقي منه علوم الدّين؛ لذا نَجد دأْب علماء الإسلام يَختمون كلامهم بقول: "والله أعلم"؛ دلالةً على أنَّ ما وصلوا إليه من نتائج إنَّما هو اجتِهادهم النِّسْبي، وليس بأيّ حال مطْلقًا، كما ورد عن الإمام مالك - وهو مَن هو في العلم - قوله: "كلّ يؤخذ من كلامِه ويُرَدّ إلاَّ صاحب هذه الرَّوضة (إشارة إلى النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي يعتبر قولُه وفعله وتقريره وحيًا)، فهو مطْلق إن صحَّ ثبوته، أمَّا اجتِهادات الإنسان في سائِر العلوم الإسلامية فهي تتَّصف بالنِّسْبية.
التحيُّز: وهو وجه آخر من نسبية الفكر الإنساني، ونعني بالتحيُّز هنا الذَّاتيَّة في الفكْر الإنساني؛ أي: إنَّ الفِكْر الإنساني لا يتَّصف بالموضوعية المطْلقة، بل ينحاز منتجه لا إلى شخصه وهواه، وإنَّما إلى خلفيَّاته الفكريَّة ومشاربه الثَّقافية ونوازعه الدينيَّة.
فالتحيُّز ليس عيبًا في الفكْر الإنساني بل أحد سِماته وخصائصه؛ لذا فالفِكر الإسلامي هو الآخر يتميَّز بهذه الخاصّيَّة، وتظهر من خلال اسمه، فلفظ الإسلامي يبين تحيُّزه لدين معيَّن هو الإسلام، وبالتَّالي لمرجعيَّة معيَّنة ورؤية محدَّدة هي الرّؤية التَّوحيديَّة.
بل إنَّنا في الفكْر الإسلامي ذاته سنجد تحيُّزات عدَّة فقهيَّة عقديَّة سلوكيَّة، كالتحيُّز لمذهب فقهي أو عقدي أو سلوكي، فالجزائر مثلاً تدين بالفقه المالكي، وبالتَّالي خياراتهم الفقهيَّة والتَّعبُّدية متحيّزة للمذهب المالكي.
غير أنَّ التَّحيُّز قد يتحوَّل إلى عيْب في الفكر في حالتَين اثنتين:
- 1إذا جاوز التحيُّز حدَّ الحقيقة، فيصبح بذلك تعصُّبًا، فذواتنا بكلّ مكوّناتها الفكريَّة والثَّقافيَّة والنفسيَّة ليستْ مطْلقة؛ بل نسبيَّة، ومقصد الإنسان في حياته إنَّما هو الكدح نحو الحقّ لبلوغه أو الاقتِراب منه، وحين يصبح النّسبي مطلقًا والمطْلق نسبيًّا، يكون التَّحيُّز قد جاوز حدَّ الحقيقة.
فالفِكْر الإسلامي يعترِف بتعدُّد الحقيقة في شتَّى أبعادها، والَّتي هي تجلّيات للحقّ المطْلق، فالفقه الإسلامي عرف مذاهب متعدِّدة، وكذلك الفكر العقدي، وعلوم القرآن والسنَّة، لكن لم يَخرج بهم اختلافهم عن الملَّة لأنَّهم لم يخرجوا عن حدِّ الحقيقة؛ بل إيَّاها كانوا يقصدون.
غير أنَّ التَّاريخ شهد مواقف كثيرة حادتْ بالتحيُّز عن الحقيقة إلى التعصُّب للرَّأي أو الهوى.
- 2الاختِراق والتبعيَّة: والوجه الثَّاني من سلبيَّة التَّحيُّز حين تصاب الذَّات بانهزاميَّة أمام آخر، فتقع في تبعيَّة استلابية لفكرِه بكلّ تحيُّزاته، وهو ما عبَّر عنه ابن خلدون قائلاً: "إنَّ المغلوب مولَع بتقْليد الغالِب"، وهو ما أصيبتْ به الحضارة الإسلاميَّة في عصورها المتأخِّرة حينما استفاقت على هوَّة شاسِعة بينها وبين الغرْب، فأضحى بعض علمائها يدعو إلى تقليده في الفكر والسلوك للحاق بركبه، حتَّى أصبح هو معْيار التقدُّم والنموذج الحضاري المرجوّ.
تشكلات الفكر الإسلامي المعاصر:
لقد كان لتألُّق النزعة الإنسانيَّة في أوربا، وما حقَّقتْه الحداثة من إنجازات على المستوى العلمي والفكري والفلسفي من جهة، وظهور الدَّولة القومية المركزية في الغرب من جهة أخرى، نتيجة لارتفاع "أنا" الإنسان واعتداده بنفسه، حيث صار الإنسان مرجع ذاته في كلّ المجالات، ولم تكن هذه الذَّات التي تألَّقت في سماء الإنسانية إلاَّ الذات الغربية بنزعتها المركزية، حيث غدَا كلّ ما عداها داخلاً في مجالِها الحيوي، خاضعًا لسيادتِها العلميَّة، وفي نطاق اكتِشافاتها بحكم تفوقها.
لقد كان العالم الإسلامي مجالاً خصْبًا للجشع الأوربي لتحقيق أحلامه، خاصَّة مع ما كان يشْهده من انقسام وتفتت على المستوى السياسي، واضمحلال وتقَهْقر على المستوى الثَّقافي، حيثُ لَم يستطع إثبات ذاته أمام تضخُّم "الأنا" الغربيَّة وشجَّعها، فكان أن وقع تحت نفوذها الاحتِلالي بمسمّيات عدَّة.
في ظلّ هذا الوضع كانت الأمَّة الإسلاميَّة تشهد انقِسامات عدَّة، خاصَّة على المستوى السّياسي، حيث تقَهقرت مكانة الخلافة العُثمانيَّة أمام الدّول الأخرى، وتضعْضع سلطانُها في نفوس المسلمين، بما آلتْ إليه مقاليد الأمور من استِبداد وتحكّم العصبيَّة التّركيَّة في الحكم من جهة، وتهلهُل المستوى العلمي والثَّقافي والرّوحي من جهة أخرى، الأمر الَّذي أفضى إلى غليان داخلي ينفجر بين الحين والآخر في شكْل تمرُّد على الحكم من طرف عامَّة المسلمين، أو حركات انقلابيَّة مناوئة للسلطة السياسيَّة من طرف بعض القادة السياسيّين أو المصْلحين، ولكن بالرَّغم من كلّ هذا، بقِيت الأمَّة الإسلاميَّة تحتفظ بشعور عميقٍ بهويَّتها واستِقْلاليَّة سيادتِها على كافَّة المستويات؛
في خضمّ هذا المسار التَّاريخي لتطوّر الأحداث كان حضور الفكر الإسلامي في أغلبه عبارة عن ردود أفعال لا غير، تمثّل في بداية الأمْر في محاولات الإصلاح والتحديث، وترميم الجهاز الفكري والثقافي والعلمي المهترئ بالمقارنة مع تألق نظيره الأوروبي، ثم التوعية الدينية والتعبئة السياسية لرد العدوان الأوروبي عن الديار الإسلامية.
لقد كان للتفوّق العِلمي الَّذي بهرتْ به الحضارة الغربيَّة العالم الإسلامي في انحداره إلى قاع التخلف - دورٌ كبيرٌ في تحديد وجهة الخطاب الإسلامي، حيثُ وقف العالم الإسلامي أمام النَّهضة العلميَّة والفكريَّة الغربيَّة، وشعارات النَّزعة الإنسانيَّة، عاجزًا عن مجاراتها، الأمر الَّذي أدَّى إلى صدمة حضاريَّة قادتْه إلى محاولة استيعاب الفكر الغربي للَّحاق بركب النَّهضة، وقد كانت البداية من رفاعة الطهْطاوي وخير الدين التونسي، اللَّذين عايَنا مظاهر التقدُّم في أوربَّا، ليس على المستوى العلمي والفكري فحسب، بل حتَّى على المستوى الاجتماعي، فجاء خطابُهما صريحًا للدَّعوة إلى اللحاق بركب التقدُّم بالعلم والتقنية على المستوى العلمي، والتحرُّر والعدالة والمساواة وتحرير المرأة على المستوى الاجتماعي، وكذا "مَأْسَسَة" النظام الإداري للحكم وتقنينه على المستوى السياسي، بل كان الطهطاوي أكثر جرْأة في نقل القانون المدني الفرنسي، والدستور الفرنسي، والنشيد القومي الفرنسي إلى العربيَّة والتغنِّي به.
لقد تمخَّضتْ هذه الرؤية عن تصوّر لواقع الإنسان المسلم المتخلّف، والذي لا يمكن أن ينقذه من تخلفه هذا إلاَّ اقتفاء أثر الغرب في الأخذ بالعلم والعقلانية، وتجسَّدت هذه النَّظرة في كتابات العديد من الأُدباء والمفكِّرين والعلماء مثل كتابَي الطهْطاوي "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، و "مباهج الألباب المصريَّة في مناهج الآداب العصريَّة"، وكتاب "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" لخير الدين التونسي، ثمَّ جاءت بعدهما مؤلَّفات عدَّة، مثل: "التَّفسير العلمي للقرآن الكريم" لطنطاوي جوهري، والَّذي حاول فيه تتبُّع منهج التَّفسير العلمي لكلّ آيات القرآن.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://madrasttarrasst.yoo7.com
 
تمهيد لدراسة الفكر الاسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مفهوم الفكر الاسلامي
» اثر الثقافة الشرقية في الفكر الاسلامي
» درس مسألة الخلافة في الفكر الاسلامي
» مفهوم الفرق في الفكر الاسلامي
» الفكر الاسلامي واثر الفلسفة اليونانية فيه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مدرسة المسجد الكبير العلمية العتيقة بتراست  :: المواد الموازية :: الفكر الاسلامي-
انتقل الى: