خطبة بعنوان: مناسبة11 يناير ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
الأولى:
الحمد لله الناصر لدينه، الموفق من اجتهد للدفاع عن مقدساته، أرسل رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم لنشر دعوته، فقال تعالى:" يا أيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم"، وبذا خاطب المؤمنين إذ يقول:" واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم"، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة المعتصم بحبله، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وأجل من جاهد لإعلاء كلمته صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن جاهد من بعدهم إلى يوم لقائه.
أما بعد، فيا إخوتي المومنين:
تحل ذكرى حادي عشر يناير 1944 التي كانت بحق بداية استرداد الكرامة والحرية، ذكرى تذكرنا بأولئك الأبطال الوطنيين المجاهدين المضحين بحياتهم تحت قيادة بطل التحرير الملك محمد الخامس طيب الله ثراه ليتذكر فيها جيل جلالة الملك محمد السادس تلكم البطولات التي أبداها جيل ذلك البطل في مقاومة الاستعمار، تلك المقاومة الشعبية التي أشعلتها وثيقة المطالبة بالإستقلال والتي أوقعها نيابة عن الشعب المغربي ثلة من المناضلين الأحرار الممثلة في 64 مناضلا من بعض النساء والرجال،لتذكى في ذلك الجيل شعلة النضال ليبقى بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بمقدساته الدينية والوطنية.
عباد الله، إن الإسلام الذي ندين الله به يقدس الحرية والعدالة للحفاظ على الكرامة، ولذا فرض الله الجهاد والتضحية على كل مسلم قادر للحفاظ على حرمة وطنه وعزة دينه، فالجهاد في الإسلام إنما فرض للحفاظ على الكرامة البشرية وتوثيق علاقة الإنسان بربه والإستمساك بدينه ونشر الأمن والعدالة على بسيط الأرض ولذا أنزل الله آدم عليه السلام إلى هذه البسيطة خليفة له في الأرض وبعده الصالحون المصلحون من ذريته إلى يوم القيامة، يقول الله تعالى :" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"، ومثل الخلافة في كل أمة أنبياؤها ورسلها وخاتمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشرع الله الخلافة في الإسلام بالبيعة الشرعية التي يجتمع بها شمل الأمة ليصلح بذلك دينها ودنياها وحينما خطر للإستعمار المساس بحرمة هذه الأمة أول ما خططه إضعاف العلاقة بين الشعب وضامن وحدتها بإيعاز لبعض الخونة بإشعال الفتنة فكان ما كان من الإبتلاء والمحن فما أن بويع بطل التحرير محمد الخامس رحمه الله 1927 حتى قام رحمه الله بوظيفة الجهاد لاسترداد الكرامة والحرية، وبمعيته عضده الأيمن ابنه البار ووارث سره من مضى إلى جوار ربه مولاي الحسن الذي واصل النضال بدوره حتى استكمل الوحدة الوطنية وأسس إطار التنمية، ومن ورائهما كل الشعب المغربي الممثل في شرائحه المختلفة، ممتثلا في ذلك قول الله عز وجل :
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...الآية".
الثانية:
الحمد لله الذي وعد المجاهدين المخلصين لدينه بالنصر المبين، وأوعد الطغاة المعتدين بعذابه المهين، وتكفل بالإستخلاف في الأرض للمصلحين، وجعل عاقبة السعادة للمتقين، وعاقبة الخزي والعار للكافرين الظالمين الضالين، نشهد أن لا إله إلا الله ولي المومنين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله قدوة المجاهدين، عليه من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليم، وعلى آله وصحابته الأعلام الأبطال المجاهدين.
أما بعد، فيا إخوتنا المومنين، فيقول ربنا الكريم:" وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين"، فذكرياتنا الوطنية المجيدة ليس القصد من إحيائها التغني ببطولات الآباء والأجداد، بل الغرض أن يطلع جيل اليوم على أن آباءه وأجداده قاموا بواجبهم أحسن قيام، واستماتوا في الحفاظ على المقدسات الدينية والوطنية، وقدمت ثلة من الوطنيين الأحرار نيابة عن الأمة المغربية عريضة المطالبة بالإستقلال في يوم حادي عشر يناير 1944م موافق 14 محرم الحرام 1363هـ، من أهم بنودها المطالبة باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل ملك البلاد سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه، ولما قدمها جلالته لسلطة الحماية، ثارت ثائرتها لظنها بأن المغاربة قد استكانوا وقبلوا الحماية إلى الأبد، فكانت الشرارة الأولى التي احترقت بها أوهام المستعمر ودهاقنته.
من هنا يعلم جيل اليوم أن جيل الملك محمد الخامس قد استرد الإستقلال بالدم والروح وبالوحدة وتراصي الصفوف، وجيل الملك الحسن الثاني قد وحد البلاد ووطد الإستقلال واسترد هيبة الدولة، وهذا جيل الملك جلالة محمد السادس لابد له أن يرتقي إلى طموح ملكه الشاب الذي يتوقد ذهنه بخلق مبادرات جريئة تخرج المغاربة من دوامة الإتكالية والروتين القاتل إلى عالم الخلق والإبداع، وأخذ مكانة بين الدول المتقدمة ثقافيا واجتماعيا وصناعيا وتكنولوجيا العصر، والتي بدون التسلح بها لا يمكن اختراق سياج العولمة التي لا تخدم إلا الأقوياء مع أن ديننا الإسلامي يحضنا على اكتساب وسائل القوة لنصرة الدين ولردع المعتدين، يقول تعالى:
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل...الآية".
ويقول نبينا الكريم:" المومن القوي خير وأحب إلى الله من المومن الضعيف وفي كل خير" وليعلم الشباب أن على عاتقهم تقع مسؤولية تنمية البلاد وتقدمه وازدهاره، فعلى الشباب أن يثبتوا انتمائهم إلى أولئك الآباء الأبطال والأجداد الأفذاذ الذي يحق لمن انتمى إليهم أن يفتخر بقول الشاعر: " أولئك آبائي فجئني بمثلهم****** إذا جمعتنا يا جرير المجامع".
وتوطيد هذا الإنتساب بعمل مفيد للدين وللوطن ليكون كل واحد منكم واعيا بقول الشاعر: " إن الفتى من يقول ها أنا ذا***** ليس الفتى من يقول كان أبي. فالحضارة صرح خالد يخلد في سجل الخالدين كل من ساهم في خدمته وإعلاء شأنه، فالوطن وعاء يجمع شمل المواطنين، فعلى جميع المواطنين أن يساهموا في خدمته وإعلاء شأنه فقد جاء في الأثر:" حب الوطن من الإيمان" فالمحبة تستوجب تشخيصها بالأعمال الصالحة قال تعالى: "وقل اعملوا.....الآية"
بقلم الأستاذ : الشيخ أحمد اليربوعي
موضوع: ذكرى الاستقلال المجيد 
الثلاثاء 15 مارس - 1:32
اليومية
