الحمد لله الذي أمر بالصدق في الأقوال والأفعال ، وأثنى على الصادقين بالفضل والكمال . وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من نطق وقال ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه .
أما بعد : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ، قد أمر الله بالصدق في عدة آيات ، وأثنى على الذين يرعون العهد والأمانات ، وأخبر بما لهم من الثواب الجسيم ، فقال { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . وقال صلى الله عليه وسلم : « عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عنه الله صديقا » . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق يهدي إلى البر ، والبر اسم جامع لكل خير وطاعة وإحسان إلى الخلق ، والصدق عنوان الإسلام وميزان الإيمان وعلامة الكمال، وإن لصاحبه المقام الأعلى عند الملك المتعال ، بالصدق يصل إلى منازل الأبرار ، وبه تحصل النجاة من الآفات وعذاب القبر وعذاب النار ، بالصدق يكون العبد معتبرا عند الله وعند الخلق ، قال صلى الله عليه وسلم : « البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما » ، فالبركة مقرونة بالصدق والبيان ،
والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان ، والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك والعيان ، لا تجد صادقا إلا مرموقا بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم ، ولا كذابا إلا ممقوتا بهذا الخلق الأثيم ، الصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق ، والكاذب لا يثق به بعيد ولا قريب ، الصادق الأمين مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار ، ومتى حصل منه كبوة أو عثرة فصدقه يقيه العثار ، والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة ، ولو فرض أحيانا لم يحصل به الثقة والاستقرار ، ما كان الصدق في لا زانه ، ولا الكذب في شيء إلا شانه ، الصدق طريق الإيمان ، والكذب بريد النفاق ، اللهم تفضل علينا بالصدق في أقوالنا وأفعالنا وجميع أحوالنا ، إنك جواد كريم ، رؤوف رحيم .