حسن اليوربوعي
عدد المساهمات : 571 نقاط : 11792 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 53 الموقع : جهة سوس
| موضوع: جوانب من حياة الفقيه العثماني الأحد 17 فبراير - 10:57 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم في الندوة العلمية المنظمة من طرف المجلس العلمي المحلي لعمالة انزكان - آيت ملول مشكورا تكريما لروح الفقيه الأستاذ البارع امحمد العثماني المتوفى في 30 مارس 1984م رحمه الله، لاحظت في العروض المقدمة جوانب من شخصية وحياة الفقيد لم يتطرق لها، كمشاركته في المقاومة الوطنية، إلا ما لمح إليه نجله الأستاذ خالد العثماني والدكتورة خديجة الراجي، وتصوفه المتزن، وما طرق سمعنا من بعض زملائه في الدراسة من الجوانب الأخرى لا تخلو من أهمية، فأدليت بهذه الشهادة لما بيني وبين الفقيد من المشاركة في المشيخة، ولأسجل للتاريخ هذه الجوانب المخفية كالتالي:1- الجانب الأول: جانب المقاومة ضد الاستعمارإن من الجوانب الناصعة في حياة المحتفى به وطنيتَه الممثلة في مقاومته للاستعمار في الجبال الصوابية، والعمل على استقطاب بعض من تفرس فيهم الغيرة الوطنية وبغضهم للاستعمار، ممن لهم اتصال بدهاقنته وأذياله، كالمقاول المدعو "أجكال" وهو مقاول فنان في الهندسة مع أميته، وهو الذي تولى تسوير مقر قيادة تنالت وبرجها الذي يشهد بعبقريته، والذي استفاد بعد الاستقلال من مأذونية حافلة متوسطة، وكذا بعض أفراد القوات المساعدة الذين بواسطتهم يهدد دهاقنة المستعمر برسائل التهديد والوعيد مع صورة المسدس حيث تفنن في تصويره الشيء الذي جعل العدو يحسب لساكنة الجبل ألف حساب، وذلك في سرية تامة، وهو كطالب في مدرسة تنالت، لا تحوم الشكوك حوله، لولا تنقلاته المتكررة بين تنالت وأكادير للتشاور مع قيادة المقاومة بها، والتي يمثلها آن ذاك المدعو "أبا عقيل" وكان ما كان من نفيه من تنالت- كما سجل ذلك نجله الأستاذ خالد حفظه الله - إلى بزوغ فجر الاستقلال.2- الجانب الثاني: تميزه عن أقرانه من طلبة المدارس العتيقة، الذين عرف عنهم الاقتصار على العلوم الشرعية واللغوية والتصوف والتدريس وعمارة المساجد، ولا يبالون بالمستجدات عكس المحتفى به، الذي تطلع إلى الجمع بين الأصالة المحصنة للعقيدة والدين ومكارم الأخلاق والسلوك، وبين المعاصرة التي تجعل الإنسان منفتحا على المستجدات والمناهج الحديثة واللغات الأجنبية ليعيش مع عصره، وكان من السباقين الأوائل المتقدم لاجتياز الشهادة العالمية التي نجح فيها بتفوق، وهنا تظهر بعض كرامات شيخه الذي أوعز إليه بالاستعانة بتفسير أبي السعود، حيث جاءت جل الأسئلة طبق ما جاء في هذا التفسير كما روى ذلك عن نفسه.وتميز أيضا بالسعي لنشر الوعي الديني والتاريخي في المجتمع السوسي بلغة تشلحيت عبر الإذاعة الوطنية، والتي أبى إلا أن يسميها لغة كسائر اللغات، لما لها من قواعد وحروف كسائر اللغات، وأيضا في التنقيب والبحث والتقصي حتى لا تكاد تجد خزانة معروفة إلا وبذل أقصى الجهد في الوصول إليها وكشف خبايا ذخائرها، ويكفي مثالا على ذلك ما تكبده في إخراجه لبحثه القيم 'ألواح جزولة' و'التشريع الإسلامي' وما تكبده أيضا من مشاق السفر في مهمة تفتيشه للمدارس العتيقة في أصقاع سوس سهلا وجبلا، وصل عددها ما ينيف عن عشرين ومائتين مدرسة، حيث استقصى كل ما يلابسها من جغرافيا قبائلها ونظامها الدراسي والتمويني ومستواها والتعريف بشيوخها، وما إلى ذلك مما مهد به للباحثين بعده السبيل، ومما يوصي به طلبة الشيخ مما يدل على نباهته قوله "إذا اهتم أحدكم بأمر من أمور الدنيا، فلا يسأل الشيخ حتى يقوم بما يريد، وليخبره بعد ذلك ليبارك له ويدعو له بالنجاح".3- الجانب الثالث: صلابته في قول الحق، لا يخاف في ذلك لومة لائم، مما يروى عنه أنه كان في ضيافة رئيس شركة آيت مزال للنقل "محمد امحمد" ورأى في إصبعه خاتم ذهب، فقال له انزع عنك هذا فإنه حرام، فلما رأى إعراضه عنه، قال له واللهِ لا آكل طعامك حتى تنزعه. ومثل هذه المواقف الشجاعة معروفة عنه، ويحكى عنه في هذا المعنى الكثير. وقد استمعنا من زميله الدكتور سيدي الحسن العبادي ما شاهد من أمثال هذا في مصاحبته في بعض أسفاره.4- الجانب الرابع: تصوفه المتزن والملموس في كتاباته وأشعاره وزهده في كل ما يعرّض كرامته للتنقيص، إلا أنه ليس كشيخه الصوفي الكبير سيدي الحاج محمد الحبيب في إعراضه عن ترف الدنيا وزينتها كليا، بل تصوفه يتمثل في عفة النفس والاستغناء بما يفيء الله عليه به من عمله الممثل في الوظائف العلمية، وهو كمقاوم لم يسع كغيره من المقاومين لنيل الجزاء في الدنيا، ولعلاقاته المتعددة بشتى أنماط المجتمع، فتحت له جميع السبل للاثراء، ولكنه آثر القناعة بما يدره عليه عرق فكره في خدمة العلم من رزق محترم، والبرهان الساطع على ما امتزج به قلبه من عقيدة المتصوفة ومن نفحات شيخه الفذ في عصره الذي اعتقده طبيبا روحيا وشيخا عارفا، مما يدل على أنه مريد صادق لمرب عارف بأدواء النفوس، خبير بعلاجاتها وتهذيبها وتطهيرها، وذلك ما تفصح عنه قصيدته العصماء التي مطلعها "في ذمة الله أحلامي وأحزاني ...." إلى أن يخلص لإفراغ همومه أمام شيخه الذي يخاطبه بقوله:شيخ الجماعة حامي الدين مقتدرا على التخلص من اشراك شيطان إلى أن قال:ينبيك حين تراه عن شمائله وجه مضيء عليه نور فرقـانيحب خيرا وكد فيه مجتهدا كيما يعممه لكل إنســــــــــانإلى أن قال:شيخي جزيت عن الإسلام منزلة يغار منه ذوو ملك وتيــــجان أولاك ربك خير منصب زمنا لم يعهد العهد فيه غير فرسانوختمها ببيت القصيد المتضمن لوصف اتفق كل من عرفه وزاره انه تفرد به في عصره وهو قوله: دمتم ودام لكم عز بلا نصب يا أزهـد النـاس في مـال وولـــــدان.وتذكرني العلاقة بين التلميذ العثماني وشيخه سيدي الحاج محمد الحبيب، بعلاقة التلميذ أبي علي اليوسي بشيخه سيدي امحمد بن ناصر الدرعي رحمهم الله، وكل من اليوسي والعثماني لهما من الرسوخ العلمي والتفاني في خدمته والشغف به، وإن كان الشيخ اليوسي أكثر رسوخا وأشهر، ومع ذلك فإنهما شربا من شيخيهما، كل حسب ما كتب له من معين التربية الروحية والسلوك الصوفي، وقد أكثر اليوسي في الكتابة عن شيخه في 'الفهرست' و'المحاضرات'، وربما العثماني كتب عن شيخه أكثر مما سُجّل أو حالت ظروفه الخاصة وانتقاله المفاجئ دون ذلك.وأختم بقول بعض الفضلاء:وما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضلوبقوله تعالى : "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ...." الآية.والشكر موصول لكل من يساهم في أمثال هذه المبادرات العلمية المباركة، تخليدا لورثة الأنبياء، الذين هم من حرمات الله الواجبة التعظيم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.بقلم ذ / أحمد اليوربوعى شيخ مدرسة تراست العتيقة و عضو الرابطة المحمدية للعلماء | |
|