موضوع حول الحج

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد المصطفى الكريم

الخطبة الأولى: تحت عنوان: الحج وأركانه وكيفيته

الحمد لله الذي هيأ أسباب مرضاته ووطد أركان الإسلام وخمسها بحج بيته وحرم حواليها تعظيما لشأنه أحمد الله الذي جعل لنا الإسلام دينا وشرح صدورنا وجعلها للإيمان به موطنا ونشكره على نعمه الزاخرة ونستعينه على أسباب تسلق الدرجات العلا في الجنة ونستغفره من كل ذنب يحول بيننا وبينه ونشهد انه الله الذي لا اله غيره ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرم واجل من عبد وجاهد وحج واعتمر صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحابته الذين جعلوا الدنيا مزرعة دار المقر .
أما بعد فيا معشر المومنين أي منا لم يعرف الشهور التي يهيأ فيها لموسم الحج أي منا لم يذكره شوال وذو القعدة بدعاء خليل الله إبراهيم وأذن في الناس بالحج أي منا لم يهتز شعوره وقد حل موعد استجابة دعوة الله تعالى لمأدبته الربانية في فناء بيته المطهرة في مقام إبراهيم وحجر إسماعيل والملتزم والحطيم وبين الصفا والمروة التي هي من شعائر الحج أي منا لم يحركه الشوق إلى التضلع من ماء زمزم المبارك الذي جعله الله دواء لكل داء أي منا تهف شفتاه لتقبيل يمين الله في أرضه الحجر الأسود أي منا لم يتطلع لموقف عرفات الأعظم الذي يطلع الله فيه على عباده بكرمه فيهب مسيئهم لمحسنهم فينسلخون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم فطوبى ثم طوبى لمن دعا بالمشعر الحرام وصلى ولقط الحصيات وانحدر إلى منى ورمي الجمرات ونحر وحلق أ وقصر وبلغ المنى فطوبى لمن أفاض وودع فعقد مع الله عهد الوفاء.
عباد الله، قد بينا فيما سبق معنى الاستطاعة التي هي الشرط الأساسي الذي يتوقف عليه الحج ونتطرق اليوم إلى بعض الأركان الأربعة التي بدونها لا تتحقق هذه الفريضة علما بأن هذه الأركان الأربعة لا تجبر بالدم ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعوض بالبديل بخلاف الواجبات التي تجبر بالدم. ونشير أولا أن الحاج قبل مباشرته لأعمال الحج ينبغي له قبل كل شيء أن يتسلح بالعلم، والعلم هو الذي سيملي عليه ما يلي: رد المظالم والحقوق لأربابها وطلب المسامحة فيما لا يمكن رده ثم تهيئ النفقة الطيبة من كسبه الطيب فان الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا عملا بقوله تعالى:" يأيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" ثم البحث عن الرفقة الصالحة، كما يقول ابن عطاء الله:"لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله" وكما قال من قال: إن الطباع تسرق الطباع ؛؛ فاختر لنفسك من أطاع"
وعند بدء الرحلة المباركة استودع الله أهلك وأقاربك وودعهم وداع المؤمن المقبل على ربه وليكن آخر عهدك بالمنزل صلاة ركعتين داعيا الله تعالى بدعاء السفر:"اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكئابة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والأصحاب، أستودع الله ديني وأمانتي وأهلي وخواتم عملي، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى" وما استحضرته من أدعية صالحة. أما الركن الأول الذي به يفتتح الحاج أعمال الحج فهو "الإحرام" فبالنسبة للذين يقدمون زيارة الرسول ص في المدينة المنورة فميقاتهم ميقات أهل المدينة"بئر علي" وبالنسبة للمتأخرين الذاهبين للحج مباشرة فميقاتهم"قرية رابغ"بأعمال الجحفة ولكن بالنظر لسفر الحجاج على متن الطائرة ويمرون على الميقات جوا فعليهم الاستعداد في منازلهم بالاغتسال غسل الإحرام وإزالة شعثه ويقلم أظفاره وحلق عانته
وقص شاربه، ولدى مغادرته لمنزله قاصدا المطار يلبس ثياب إحرامه إزارا ورداء ويلبس عليه ثيابه العادية، ولدى محاذاته للميقات جوا يعقد نية الإحرام متجردا من ثيابه المخيطة وكل محيط بالعضو كالساعة اليدوية وما إليها، وبما أن نية الإحرام تختلف حسب ما يحرم به المحرم من الإفراد والتمتع والقران وسنذكرها فيما بعد.
أيها الناس، يعتقد الكثير أن كلمة الإحرام تعني ذلك الثوب الغير المخيط الذي يلبسه المحرم، يقول الشيخ خليل في مناسكه: الإحرام هو الدخول بالنية في أحد النسكين: الحج والعمرة مع قول متعلق به كالتلبية وفعل متعلق به كالتوجه على الطريق، من هنا يعلم الحاج بأن عليه حالة الإحرام أن يتجرد من كل ثوب مخيط ويلبس نعلين ويزيل كل محيط بعضو ويعري رأسه ويمتنع عليه بمجرد الدخول في الإحرام زوال الأوساخ وقتل الصيد والطيب وقرب النساء، هذا بالنسبة للرجال أما بالنسبة للنساء فيجتنبن هذا غير الثياب فإنها تحرم في ثيابها العادية غير أنها تظهر وجهها وكفيها شأنها في الصلاة فإذا كانت شابة وخيفت منها الفتنة فلا بأس أن تسدل على وجهها ثوبا شفافا من غير عقد ولا ربط بين الرأس والخمار، قلنا إن الإحرام هو الدخول في أحد النسكين بالنية مع التوجه والتلبية التي يجب على الحاج والمعتمر حفظها وهي:"لبيك اللهم لبيك...إلى آخرها. يواصلها المحرم بلا إلحاح حتى لا يمل ولا انقطاع حتى لا يضيع عليه الواجب ويتوجب عليه الدم يجددها عند تجدد الأحوال بعد الصلاة والآذان والاستيقاظ من النوم وملاقاة الرفاق وهكذا تواصل إلى دخول مكة فيتوقف عنها ريثما يطوف طواف القدوم ويسعى بين الصفا والمروة ثم يعاودها إلى زوال يوم عرفة بالنسبة للمفرد والقارن. جعلني الله وإياكم ممن اتبع أمره واجتنب نهيه فعرفه ءامين، يقول تعالى:"الحج أشهر معلومات...إلى آخر الآية" صدق الله العظيم.





الخطبة الثانية:

الحمد لله العلي القدير هيأ الأسباب ويسر العسير، خلق العباد وندبهم للقيام بكل عمل مبرور، فجعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنا وفرض على الناس حجه مرة في العمر، وسخر لهم البر والبحر والجو وهيأ لهم فيها طرقا فجاجا بحيث الوصول إلى رحاب بيته لمن هداه الله ووفقه سهل يسير، أحمد الله تعالى وأشكره وأستعينه وأستغفره، ونشهد أنه الله لا اله إلا هو جل شأنه، وعظم سلطانه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده وصفيه ونبيه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه.
عباد الله، قد تكلمنا عن الركن الأول من أركان الحج الذي هو "الإحرام" وما يتعلق به من واجبات، وتابعنا الرحلة إلى دخول مكة المكرمة، فبمجرد اطمئنانه على متاعه يتوجه الحاج إلى المسجد الحرام داخلا إليه من باب السلام قاصدا الكعبة المشرفة للقيام بطواف القدوم الذي هو واجب يجبر بالدم قائلا عند الدخول: لا اله إلا الله والله أكبر، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وإذا وقع بصرك على بيت الله فاعرف لهذه النعمة حقها، واحمد الله واستحضر في قلبك جلال الله وخشيته وأنك في أحب أرض الله إلى الله وأعظم حرمات الله متأدبا خاشعا شاكرا ضارعا قائلا بلسان الحال والمقال:"الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"اللهم إن البيت بيتك والحرم حرمك عظمته وكرمته وشرفته، اللهم إني عبدك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك الطالب لمرضاتك أو ما أستحضره من الدعوات اللائقة بالمقام ثم يقصد الحجر الأسود الذي هو يمين الله في أرضه يقبله إن أمكن أو يلمسه بيده ويضعه على فمه من غير تقبيل أو يكبر اتجاهه قائلا "الله أكبر" وهذا ما يليق بالطائفين الآن نظرا للازدحام الشديد، ولا يليق بك أيها الحاج أن تقوم هناك بأعمال تخالف الأدب مع الله، بل بما يليق من الآداب والتعظيم لحرمة المقام وحرمة الوافدين إليه.
وعند ابتداء الطواف اجعل البيت على يسارك واقفا اتجاه الحجر الأسود ناويا طواف القدوم: وهو عبارة عن سبعة أشواط، يعني سبع دورات بالبيت الحرام ابتداء من الحجر الأسود وانتهاء إليه، ويشترط في الطواف ما يشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة، إلا أن الطواف يجوز فيه الكلام بخلاف الصلاة ويجتنب الطائف الطواف داخل الحجر وهو البناء المحدود بشمال الكعبة ما بين الركن الشامي والعراقي وكذا الطواف على الشاذروان والانحناء عليه حالة الطواف وهو البناء البسيط المسطح الدائر بأسفل الكعبة لأنه مع الحجر داخلان في الكعبة والطواف داخلهما لا يجوز فليكفهم هذا وانه من الأهمية بمكان.
وإذا وصل الطائف الركن اليماني وهو المقابل للحجر الأسود من جهة اليمين الشرقي فليلمسه بيده ويضعه على فمه من غير تقبيل أو يكبر ويمضي إلى أن يصل إلى الحجر الأسود فقد تم شوط وهكذا يطوف داعيا بأدعية الطواف وأعظمها ما علمنا الله في كتابه:"ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" وما استحضره من الأدعية اللائقة لنفسه ولذويه المسلمين وما استحضره من الأدعية اللائقة لنفسه ولذويه وللمسلمين إلى أن يتم سبعة أشواط وبعده يصلي ركعتي الطواف في مقام إبراهيم وكل المسجد مقام إبراهيم، وهاتان الركعتان من الواجبات المنجبرة بالدم وبهما يتم طواف القدوم ويذهب مباشرة لأداء الركن الثاني الذي هو السعي بين الصفا والمروة الذي نقف عنده إلى الجمعة القادمة إن شاء الله.
جاعلين مسك الختام الصلاة والسلام على من به حصل للنبوة الختام سيدنا محمد النبي الرسول المرتضى وشفيع الأنام.








من خطب الشيخ أحمد اليوربوعي إمام وخطيب مسجد الكبير ومدرس مدرسة المسجد الكبير وعضو الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب

تناول الشيخ موضوع الحج في خطبه بالترتيب من مغادرة المسلم الدي يقصد البقاع المقدسة منزله إلى حين رجوعه إلى بيته مستبشرا بالحج المبرور .
ومزج الشيخ في تناوله للموضوع ما هو نظري وتطبيقي المناسبين لواقعنا الحاضر، وهده المنهجية من خبرته الميدانية واستيعابه على ما هو قديم وجديد من المراجع القيمة التي تناولت الموضوع .



تعليق : حسن اليوربوعي