خطبة بموضوع مكارم الأخلاق

الحمد لله وحده خطبة أولى في أمور سبعة أمر بها الشرع وهي من مكارم الاخلاق
الحمد لله الذي أمر عباده بكل فعل حميد،ونهى عن كل شر يستوجب عذابه الشديد،نحمد الله تعالى جل علاه،ونشكره شكر المستزيد من ءالائه ونعماه،ونشهد أنه الله لا معبود بحق سواه،ونشهد أن سيدنا محمدا أجل وأعظم من عبده ووالاه،فصل اللهم وسلم على هذا النبي الرسول المكرم،فهنيئا لمن اقتفى أثره واتبع هداه، وعلى ءاله وصحابته نجوم الهداية بعده . أما بعد فياأيها المسلمون :
فقد تصفحت مجتمعنا وحالته الاجتماعية، فوجدته يستهين ببعض مكارم وأخلاق الاسلام، ولا يعيرها أي اهتمام،ولاسيما لدى من يحرص على قواعد الاسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة جاهلا أو متجاهلا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "إنما بعثت لإتمم مكارم الاخلاق" والإسلام بدون أخلاق فارغ من محتواه، لأن الاسلام يهذب الأخلاق ويزرع المحبة والتعاون والتئالف بين أهله، بسبب ما يرتكز عليه من مبادئ سامية، تجعل المجتمع الإسلامي على تلك الصورة الرائعة التي عبر عنها الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله: "مثل المومنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمى" وأركز موضوع اليوم على سبع أوامر نبوية تساهم كثيرا في تمتين الروابط الاجتماعية بين المسلمين، حيث روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن البرَاء بن عازب (ض) قال أمرنا النبي (ص) ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإجابة الداعي ورد السلام ونصرة المظلوم وإبرار المقسِِم، ونهانا عن سبع: عن خاتم الذهب (أو قال حلقة الذهب) وعن لبس الحرير والديباج والسندس والمياثر والقسي وآنية الذهب.
هذه أوامر سبعة، ونواهي سبعة، نقتصر اليوم على هذه الأوامر المساهِمة لو طبقت في توثيق الروابط الاجتماعية أكثر بين المسلمين.
أولاها عيادة المريض أي زيارته، فقد كان (ص) يعود بنفسه المرضى من المسلمين، وحتى المنافقين وأهل الذمة، لما في ذلك من إيناس المريض وإزالة الوحشة عنه وتخفيف آلامه بتسليته ومواساة أقاربه وأهله، ولاسيما وأنتم تعرفون ما تعانيه الأسرة كلها بسبب هذا المريض الذي يئن في المنزل صباح مساء، وما يقاسيه وأسرته من آلام ومحن، وربما تعيشون أمثال هذه الحالة ـ عافانا الله جميعا ـ فكم من مسلم يغفل عن عيادة مريض مسلم قريب أو جار طريح الفراش، إما في المستشفى أو في منزله، ولاسيما إذا كانت حالته المادية ضعيفة، ومحتاجا للدواء، وتراكم عليه الدين جراء عدم قدرته على العمل، ولاسيما إذا كان رب عائلة ضعاف الحال، تصوروا تعاسة هذا المسكين من كل الجهات، أفلا يجب على أقاربه وجيرانه القيامُ بواجب القرابة والجواروالاخوة؟ أتظنون بأنكم متحللون من هذا الواجب؟ كلا وألف كلا، إنه عهد القرابة وعهد الأخوة وعهد الجوار، وستسألون عن هذه العهود يوم القيامة.
أما عن تشييع الجنازة فانه بدوره حق من حقوق الإسلام، نعم ما زال هذا الحق ـ والحمد لله ـ يُؤدى، وفي البوادي أكثر، وهذا يثلج الصدر كثيرا حينما تشاهد جموع المومنين في خشوع يشيعون أخا أو أختا من إخوانهم إلى مثواه الأخير، ملبين نداء الواجب، معتقدين بأنهم يقومون بواجب الأخوة والقرابة والجوار والإسلام، متأثرين بهذا المصاب الجلل، الذي حل بأسرة الفقيد أو الفقيدة، وقائمين بواجب المؤاساة والترحم والتعزية، وفرحين في نفس الوقت بكونه في مجتمع مسلم يؤدي حقوق الأخوة حينما يصل أجله، أنه بين إخوان له ينفعونه بدعواته ويعرفون حق أهله من بعده، لأنه كما يدَين الفتى يُدان، ولكن هذه السُّنة بدأت في الحواضر تضعف، بل إن هناك تمييزا بين الأغنياء والفقراء، فكلما شاهدت حشدا عظيما من المشيعين معناه أن المشيَّع من الوجهاء والأغنياء ممن يخطب ودهم حتى بعد مماتهم، وإذا مات الفقير والمسكين والمستضعف قل المشيعون ولا يراعي فيه حق الأخوة الإسلامية إلا القليل، من هنا يدرك المتبصر أن مثل هذا العمل لا يدل على الوعي الديني، بل على الأغراض المادية التي لا تنفع عند الله، لأن الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
أما عن تشميت العاطس أي قولنا له يرحمك الله إذا عطس، فالمومنون من خصائصهم كما وصفهم الله تعالى في كتابه (رحماء بينهم) مدعوون للتراحم أحياء والتراحم أمواتا.
أما عن إجابة الداعي، فإن من عادة الناس أنهم يَودون أن يشاركهم أحبابهم في مناسباتهم لطبيعة البشر الاجتماعية، ويعرف الإنسان مقدار قيمته الاجتماعية بقَبول الناس لدعوته ومشاركتهم له احتفاله، ولا ينبغي للمعروض عليه، الذي اختاره أخوه المسلم من بين كثير من الناس وأحسن فيه الظن وحرص على أن يشاركه طعامه وشرابه واحتفاله ـ لا ينبغي وليس من خلق الإسلام أن يقابل هذا الجميل والظن الحسن وهذا الاعتبار بالنكران وأن يضرب بدعوته عرض الحائط، لأن هذا من شأن اللئام وليس من شأن الكرام الذين يقابلون الإحسان بالإحسان، هذا إذا كانت المناسبة في جو يقبله الشرع، وليس فيه ما ينكر. أما إذا اتسم الحفل بما لا ينبغي، فينبغي الإعراض عنه والإنكار على صاحبه، لأننا أُمّة فاضلة تشجع الفضائل وتحارب الرذائل، وفي هذا الإطار يقول النبي الأكرم (ص) " أِجب َمن دعاك" أي إلى خير. وقد كان (ص) يُجيب دعوة الحر والعبد والأَمَة، ويقول" لو دُعيت إلى كُراع أو ذراع لأجبت".
وفي هذا تبصرة وذكرى للمومنين. جعلني الله وإياكم ممن (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
أحمد اليوربوعي